السلوك العدواني والعدائيمقدمـة :تنتشر السلوكيات العدوانية والعدائية في أماكن متفرقة من العالم كما هو الحال في انجولا وبنجلاديش والصومال وجنوب السودان ولبنان وأفغانستان وباكستان والعراق وفلسطين وغيرها، وكذلك العمليات الإرهابية غير المنظمة والتي لا تعتبر حروباً أهلية أو تنازعات بين دولة وأخري بل داخل الدولة الواحدة نظراً للاختلافات في الآراء السياسية أو القضايا الاجتماعية التي تخص مجموعة محددة أو فكر معين في مقابل فكر ورأي آخر، كما تنتشر السرقة وخطف الأطفال ، والأمثلة كثيرة علي الوحشية التي تجوب هنا وهناك. وتطالعنا الصحف والمجلات يوميا عن نشوب العديد من الحروب الشديدة وحوادث متعددة تتسع باتساع العالم كله، ورغم أن التاريخ يحمل لنا أنباء حروب وقتال مدمر مثل الحرب العالمية الأولي والثانية . في القرن العشرين وكذلك بداية القرن الحادي والعشرين، والعقود الأخيرة منه بالذات تميزت بتعدد واتساع أشكال العنف والإرهاب، وكذلك بداية القرن الحادي والعشرين وفي الماضي أعزي السلوك العدواني إلي قوي خفية دافعة لهذا المسلك أو ذلك من المسالك العنيفة. ووضح دور التشريط البيئي والاجتماعي والتقدم التكنولوجي في وسائل الحرب والدمار، وبرز دور السياق الذي تحدث به الأفعال العدوانية والدوافع العقائدية والخارجية أكثر منه بداخل الفرد الإنساني نفسه.
تعريف العدوان:
1.معجم العلوم السلوكية Dictionary Of Behavioral Science:
هجوم أو فعل عدواني يمكن أن يتخذ أية صورة من الهجوم الفيزيائي في طرف إلي اللفظ غير المهذب في الطرف الآخر، وهذا النمط من السلوك يمكن أن يتخذ ضد أي شئ أو أي شخص بما في ذلك ذات الشخص. (ولمان Walman، 1973).
2.
الموسوعة المختصرة في علم النفس والطب العقلي:
عدوان / تهجم Aggression:
ويقصد بالعدوان أو الاعتداء أو ما يعادله من تعد معنوي ، والعدوان عند مدرسة التحليل النفسي هو المظهر الشعوري لغريزة التدمير (الثاناتوس) موجهة للخارج.
أما عند (أدلر) فهي ضرب من السلوك الاجتماعي غير السوي يهدف إلي تحقيق رغبة مصاحبة في السيطرة، ومن هذا المعني نشأ الفرض القائل بالفشل أو الإحباط والعدوان Frustration Aggression Hypothesis حيث يعتبر العدوان دائماً سلوكاُ يهدف إلي التعويض عن الخيبة أو الفشل الدفين.
العدوانية Aggressiveness :
وتعني الكلمة الاتجاه إلي اتخاذ الأسلوب العدواني بإزاء الأمور والميل إلي الاقتحام ولكن العدوان يشير إلي سلوك غير سوي يتميز بالعنف والتعدي المادي أو المعنوي. بينما تعني العدوانية اتجاهاً قد يظل في حدود السواء أو يؤدي إلي عدوان أو إلي الإقدام واقتحام الصعاب بدلاً من التحايل علي تذليلها ومحاولة فرض المرء آراءه علي مجتمعه رغم الاعتراض عليها.
3.
أراء بعض علماء النفس:
(1) فرويد (Freud)
العدوانية واحدة من الغرائز الأولية، فالعدوانية الطبيعية عند الفرد ضد ذاته يمكن أن تتجه ضد العالم الخارجي، فالثاناتوس (Thanatos) هي بشكل أولي غريزة الموت وكل ما ينطوي علي قدر معين من تدمير الذات داخل أنفسنا ويبدوا أن الناس عليهم أن يقوموا بتحطيم الأشياء والآخرين حتى لا يحطموا أنفسهم. كما يحمي الفرد نفسه من النزعة إلي تدمير الذات فيتحتم عليه أن يعثر علي قنوات خارجية للعدوانية. (روبرت Robert ،1980: 8).
(2) مواري (Murray)
العدوانية هي حاجة الفرد إلي أن يتغلب علي الم
أو إلي أن يقاتل أو يعاقب آخر إلي أن يؤدي أو يقتل آخر، أو إلي أن يثأر لأذى لحقه (مواري Murray، 1983: 229).
(3) تعريف مخيمر للعدوانية:
الحياة والموت، سيان كانت طاقاتها موضوعاتية أو نرجسية سادية أو مازرشية تكون العدوانية هي هذه الطاقة التي تخدم في الحالات السوية غرائز الموت بشكل غير مباشر، بمعني أنها تكون في خدمة غرائز الحياة ايجابية أو توكيداً للذات (تدميراً مشروعاً للمعوقات من الآخرين والأشياء أو عدوانية شبقية وإنجاباً أو بناء يبلغ حد الابتكار علي المستوي الفردي ويتخذ صورة القيادة في المواقف الاجتماعية لتتأدي بها تدريجياً إلي التدمير والعدم ، وبينما تخدم في الحالات غير السوية غرائز الموت بشكل أكثر مباشرة تدميراً عاجلاً ومباشراً للذات أو عبر التدمير المشروع للآخرين والأشياء.
وينبغي فهم ذلك ضمن إطار المنهج الجاليلي في تناول الوقائع، هذا الذي يقوم علي مفاهيم السلسلة والمتصل الواحد والذي يعتبر السلوك محصلة للصراع المتجه الصادر عن فطرية الفرد والمتجهات البيئية القائمة في العقل.
والعدوانية هي أشبه ما تكون بالنيران التي تدمر بحريقها وتضئ بنورها وتتيح بحرارتها للحياة أن تتكاثر وتتواصل بحيث يصدر عنها التدمير ، كما يصدر الإبداع والتكاثر مما يعني أنها تتيح للحياة أن تزدهر كيفاً (في الإبداع) وكما (في الإنجاب) ولكن لتعود به من جديد إلي العدم . (صلاح مخيمر ، 1981: 7).
أولا : النظريات المفسرة للعدوانية:
اختلفت وجهات النظر في شرح السلوك العدواني وتعريفه ، فأخذت اتجاهات عديدة، إلا أنها تلخصت في اتجاهات رئيسية ثلاث متميزة.
وتعزي العدوانية أساساً إلي:
1. قوة فطرية إستعدادية (غريزية).
2. دوافع ومثيرات خارجية.
3. التشريط البيئي والاجتماعي مقروناً بنماذج التعليم الاجتماعي السابق .
وسوف نتناول كل منها بالتفصيل:
(1) النظرية الغريزية للعدوانيةThe Instinctive Theory Of Aggressiveness :
(2) النظرية الدافعية للعدوانية The Drive Theory Of Aggressiveness :
(3) النظرية الاجتماعية التعليمية Social Learning Theory:
(4) النظرية التشريحية والفسيولوجية:
ثانيا: محددات السلوك العدوانيDeterminants Of Aggressive Behavior:
يقسم العلماء المهتمين بدراسة السلوك العدواني تلك المحددات إلى :
(1) محددات اجتماعية.
(2) محددات بيئية.
(3) محددات موقفيه.
وسنتناول كل منها بالتفصيل:
(1)
محددات اجتماعية:
لخص كل من (روبرت Robert ، باندورا Bandura ) المحددات الاجتماعية في ثلاثة محددات هي : الإحباط (وقد سبق شرحه) – الاستفزاز البدني واللفظي – التعرض لنماذج عدوانية.
(2)
محددات بيئية:
أن المتغيرات البيئية من حول الإنسان تؤثر علي حالته الفسيولوجية . وبالتالي فالحالة الفسيولوجية لأي شخص تؤثر علي آرائه وأفكاره وسلوكه عموماً، ولهذا يرجع عدد من العلماء تأثر العدوانية بالبيئة الفيزيقية من حول الأفراد ، ولهذا يري رويرت أن السلوك العدواني يتأثر بالعوامل البيئية الفيزيقية مثل الضوضاء ودرجة الحرارة والازدحام وغيرها. (روبرت Robert ، 1980: 414).
(3)
محددات موقفيه:
وتخص المحددات الموقفية المفاهيم المختلفة للسياق العام الذي يحدث خلاله مثل هذا السلوك العدواني، وتركزت الأبحاث في هذا المدخل علي عاملين هما :
- تأثير العقاقير (الأدوية) - وزيادة الإثارة الفسيولوجية.
العدوانية والعدائية وعلاقتهما بأبعاد الشخصية:
حاول كثير من العلماء المهتمين بدراسة العدوانية دراسة العلاقة بين هذه الأبعاد الانفعالية عند (أيزنك) حسب نموذجه.
وقد اعتبر بص Buss (1961) العدوانية متغير من متغيرات الشخصية أي كمجموعة من الاستجابات الثابتة والواسعة . فقد عرف العدوانية بأنها استجابة لكل من الإحباط أو الهجوم. وربما تكون مساعدة علي اكتساب أو الحصول علي هدف ما.
وهذه الاستجابة ترتبط أولا بحالة انفعالية ضعيفة، وتختلف العدوانية تبعاً لخصائص الأفراد. وهناك فروق فردية بالنسبة لشدة الاستجابة وتكرارها . (بص Buss ، 1961: 183).
ويري (بص) أن هناك عدداً من العوامل المسئولة عن تطور العدوانية ونموها بالإضافة إلى النماذج الوالدية والتعلم والعوامل البيئية وهي:
(1) الاندفاعية أو التهور Implosiveness .
(2) شدة الاستجابة أو رد الفعل Intensity Of Reaction.
(3) مستوي النشاط والاستقلالية . (المرجع السابق: 184)
وحاول (ادموندس) تقديم مقارنة توضيحية لكل من هذه العوامل السابقة والأبعاد حسب نموذج (أيزنك). وتوصف الاندفاعية مفهوم الانبساط عند (أيزنك). وبشير مستوي النشاط إلى الطاقة المستخدمة يومياً في الأنشطة المختلفة.
وهذا الجزء من النشاط محدد بالهرمونات وتطلق عليه (Hypermania) . وتنظم الأفراد تصاعدياً علي هذا المتصل حتى تنتهي بالعدوان. وهذا طبقاً لسلوكياتهم والعلاقات الاجتماعية وخصوصا المواقف التنافسية والاقتحامات الاجتماعية (Social Intrusiveness) . ومستوي النشاط كمتغير من متغير العدوانية عند (بص) له علاقة بعاملين من عوامل الشخصية. فدرجة النشاط الاجتماعي للفرد له علاقة بالاجتماعية في عامل الانبساط عند (أيزنك) للشخصية الانبساطية العصابية (Eysenk ، 1967) .
وطبقا لفكرة (بص) عن شدة رد الفعل (أو الاستجابة) فهناك فروق بين الأفراد فبعض الأفراد يعطون شدة استجابة عالية جدا بينما يعطي فرد آخر استجابة متعادلة لنفس المثير . وهذا المفهوم يشبه مفهوم (أيزنك) عن التنشيط (Activation) ويفترض (بص) أن الأفراد ذي درجة رد الفعل العالية يظهر عليهم غيظاً ومعاناة شديدة لنفس المثير الذي يستجيب له الآخرين استجابة معتدلة من الغضب. وبهذا الغضب الشديد تزداد القابلية لزيادة العدوانية.
والمتغير المزاجي عند (بص) للاستقلالية يشتمل علي عدد من السمات ومنها:
(1) الرضا الذاتي.
(2) المقاومة لضغوط الجماعة.
(3) الثورة المتمردة.
وطبقا لفكرة (بص) هذه عن الاستقلالية فالشخص المستقل يصبح عدوانياً نتيجة الضغوط لكي يساير المجموعة. وهذا النمط من السلوك يشبه النمط الذي وصفه (أيزنك).
ويري (أدموندس) أن هذه المتغيرات لم تحدد بوضوح لدي (بص) بل وضحها (أيزنك) في بعدين أساسيين، أطلق عليهما بعدي الانبساطية والعصابية. والفروق الفردية في بعد الانبساطية يعزيها (أيزنك) إلى الفروق في درجة القابلية للتشريط. وفسيولوجيا يعزي الفروق إلى الاختلافات في نظام التنشيط الشبكي (أدموندس Edmondus ، 1980: 26).
ويصف (أيزنك) النمط الانبساطي بالتهور وارتكاب الأخطاء وتقلب المزاج، ويميل إلى العدوان . وينظر (أيزنك) إلي العدوان كأحد السمات المحددة للانبساطية . ويري أن تشريط الانطوائيين أسهل من تشريط الانبساطين. وان الانطوائيين أقل عدوانية من الانبساطيين ،ويفترض أن نظام التشريط لدي الانبساطين به خلل ويمكن التحكم فيه للتخلص من الاستجابات العدوانية الزائدة. ويري (أيزنك) أن الانفعالية والعصابية والقلق يعملوا كدوافع للحالات المنفعلة كي تصبح أعلي استثارة عندما تواجه بمثير معين. (أيزنك Eysenck ،1967: 133).
وتشبه فكرة أيزنك السابقة فكرة بيركوتيز (Berkowitz) عن الشخصية العدوانية بأنها لديها مخزون من الطاقة العدوانية المكبوتة ولكنها سريعة الغضب. وعندما يستثار هذا الغضب فإن استجابتها تكون عدوانية أكثر من الشخصيات الأقل عدوانية. (بيركوتيز Berkowitz ، 1963: 120) التي سبق شرحها.
وكل هذه الافتراضات السابقة هي محددات نظرية تؤدي إلى التداخل والتوازي بين المصطلحات أكثر منه تحديداً إجرائياً. وهذا دفع كثير من الباحثين لدراسة هذه العلاقة بين متغيرات العدائية والعدوانية وأبعاد الشخصية العامة.
فقد قام بندنج (Bending) بإجراء تحليل لهذه العلاقة بين العصابية أو الانفعالية وبعد الانبساط حسب نموذج (أيزنك) وعاملي العدوانية والعدائية فوجد أن الانبساطية لها ارتباط دال مع العدائية الظاهرة.
كما قسم العدائية إلى عدائية ظاهرة وعدائية كامنة في دراسته (1961) كما وجد أن عامل العدائية العامة له ارتباط مع العصابية (N).(بندنج Bending ، 1972: 180).
ولقد تبع (بندنج) دراسات عديدة لمحاولة تفسير العلاقة بين بعض التغيرات في أبعاد الشخصية وكل من العدائية ، وعلي سبيل المثال :
§ دراسة فروست (1970) عن الانبساطية والعدوانية . فوجد أن الانبساطية كما تقاس بقائمة (أيزنك) للشخصية (E. P. I) مشبعة بعامل العدوانية ولكنها متناقضة مع عامل العقابية الداخلية وليس لها ارتباط دال مع مقياس العدائية الظاهرة لبندنج (فروست Frost، 1970: 142) وهذا بالرغم أن (بندنج) أثبت أن العدائية الظاهرة لها معامل ارتباط موجب ودال مع الانبساطية كما سبق . وهذا يوضح التناقض في النتائج رغم أن أداة القياس في الحالتين واحدة.
§ وفي دراسة أخرى قام بها بورن Burn (1972) لدراسة أبعاد العدوانية والعدائية وعلاقتها بأبعاد الشخصية. فقام بإجراء التحليل العاملي لـ(17) مقياس بندنج للعدائية (العدوانية الظاهرة، والعدائية الكامنة) واستخبار العدائية واتجاهها (HDHQ) (خمس مقياس فرعية) وقائمة (بص وديركي) للعدائية (8 مقاييس فرعية)، وبعض مقاييس الشخصية المشتقة من اختبار (منسوتا المتعدد الأوجه للشخصية) (MMPI) مثل الاندفاعية الذي افترض أنه يقيس كل من الانبساطية والعصابية . بعد تطبيقها علي (165) مريض باضطراب نفسي ،وبعد إجراء التحليل العاملي توصل إلى ما يلي:
(1) الارتباط بين الانبساطية والعدوانية بسيط وسالب (-0.19) ولم يستطيع فصل عامل الاندفاعية كعامل عام للانبساطية.
(2) وجد أن استخبار العدائية واتجاهها (HDHQ) مشبع بمقاييس (بص) الثمانية. وأطلق عليه العامل العام للعدائية. فمعامل الارتباط بينهما يصل إلى (+0.72) فهو ترابط موجب وعالي.
(3) الارتباط بين الانبساطية والعدائية سالب وبسيط فوصل معامل الارتباط إلى (-0.31).
(4) الارتباط بين العصابية والعامل العام للعدائية علي استخبار العدائية واتجاهها عالي وكذلك مع العدائية الكامنة علي مقياس (بندنج).
(5) الانبساطية والعدوانية الظاهرة يرتبطان معاًًًٍ. وقد اثبت ذلك (بندنج) كما سبق ولكن نتائج (فروست) تناقض ذلك.